تنتشر على طول الشريط الساحلي للمملكة وداخل المدن والقرى العديد من المشاريع المتميزة، خاصة في مجال التنمية السياحية. فيكفي المستكشف الوقوف بموقع ذي مقومات طبيعية وثقافية مميزة، ليجد أوراشا كبرى تراعي المقومات الطبيعية والخصوصيات الثقافية والبيئية لذلك المكان. تلك الأوراش تشمل المحطات السياحية الشاطئية والفنادق الفاخرة، وكذلك الشقق السياحية والمطاعم ومراكز الترفيه والاصطياف.
فمستقبل المناطق السياحية بالمغرب يبدو مثيرا للاهتمام، مع وجود مشاريع كبيرة ومتنوعة، بما في ذلك داخل المدن الصغرى. فالشركة المغربية للهندسة السياحية، التي تجعل من تطوير وتأهيل المواقع السياحية أحد مرتكزاتها الكبرى، تسعى إلى تحويل عدة مدن وقرى مغربية إلى فضاءات سياحية دون المس بمقوماتها الطبيعية والثقافية في تكامل تام بين عناصر الطبيعة والثقافات المحلية من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع.
رافعة للتنمية المستدامة
تلعب الهندسة السياحية، التي تعرف تطورا مهما سواء من حيث الآليات أو الوسائل، دورا هاما في إنجاز تلك المشاريع والبرامج مع مراعاة تحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث والطبيعة أو دعم التنمية المحلية. فلا شك أن التخطيط لهذه المشاريع السياحية يراعي التآلف مع الطبيعة، والاستغلال الأمثل لعناصرها، وخلق الإحساس بالحرية، وتوفير الراحة النفسية للسائح، من خلال اختيار المواقع ذات المواصفات المميزة، بالاعتماد، أساسا، على عناصر الجذب الطبيعية والثقافية والاجتماعية التي تميزها.
وتعتبر جهان التوزاني، مديرة الإستراتيجية بالشركة المغربية للهندسة السياحية، أن "الدور الأساسي للهندسة السياحية يتجلى في تحويل المناطق الطبيعية والثقافية المتميزة إلى فضاءات للراحة والاستجمام والترفيه مع الحفاظ على مؤهلاتها ومميزاتها الطبيعية والثقافية"، مضيفة أن ذلك "يراعي إشراك جميع الفاعلين، وجلب المستثمرين، وتحديد المشاريع وبلورتها وفق منهجية تفعـيل دور المؤسسـات والمجتمع المدني في الحفاظ على التراث الطبيعي والعمرانـي لتحقيـق التنميـة السـياحية المستدامة".
فالهندسة السياحية، في نظرها، تتجاوز النظرة المستقبلية إلى موقع طبيعي أو إلى تراث ثقافي؛ فهي "الاستغلال الأمثل للمواقع السياحية من خلال الحفاظ على المقومات الطبيعية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وإدارة كل الموارد المتاحة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو جمالية أو طبيعية، من خلال التعامل الإيجابي مع المعطيات الطبيعية والتراثية والثقافية".
من جهتها ترى أمينة عكراد، متخصصة في مجال الاستثمار السياحي، أن "الهندسة السياحية لن تكون إلا فرصة لخلق مناصب شغل للمجتمعات المحلية، غير أن الهـدف منها ليس هو تحقيق عائد اقتصادي على حساب الموارد الطبيعية والمجتمع المحلي، ولكن مراعاة الظروف الاجتماعية والثقافية والبيئية للمواقع السياحية من خلال استغلال عقلاني لجميع الموارد المتاحة كيفما كانت طبيعتها".
تطوير مشاريع سياحية رائدة ومبتكرة
إلى جانب رصد المواقع وتدبير المشاريع، يشكل الابتكار مهمة أساسية أخرى ضمن مهام الهندسة السياحية. فابتكار مشاريع سياحية يحتم تتبعا ويقظة دائمين. وما يميز أحدث الابتكارات المرتكزة حول عادات السائح وتجربته هو تطوير مشاريع توقظ أحاسيسه وتستهدف حواسه.
فما من شك أن الحواس (البصر والسمع والشم واللمس والذوق) قد تشكل مصدرا لتطوير منتجات سياحية مغربية رائدة. فالمملكة تزخر بثروات طبيعية تبعث على خوض غمار تجربة سياحية رائدة من خلال عدة أنشطة مثيرة للشغف. فقد يتوق، مثلا، الزائر إلى مختلف مدن المملكة إلى استكشاف مجالات متعددة مرتبطة بحياة مجتمع النحل من خلال جولة مع مربي النحل، أو الوقوف على الحياة الطبيعية لتربية الماشية من خلال تقاسم الأدوار مع مربي الماشية، أو طبخ وجبات مغربية أصيلة رفقة محليين أو الاستمتاع بالموسيقى المحلية من قمم الجبال أو قرب الشلالات الطبيعية، أو التنزه في حقول الورود والاستمتاع برائحتها التي تعبق الأنوف، وغير ذلك من التجارب المشوقة. فبصحبة كل هؤلاء، تصبح الجولات اليومية لحظات لتبادل حقيقي ولاكتشاف هذه العوالم المغرية.
وأبرزت صفاء الزلاجي، مسؤولة عن البرمجة بمديرية الإستراتيجية بالشركة المغربية للهندسة السياحية، أن "نماذج سياحة البيئة والطهي والاستكشاف تشكل منتجات سياحية جديدة قد تساهم بشكل كبير في النهوض بالسياحة والارتقاء بالعرض السياحي الوطني"، مضيفة أن "الشركة تسعى، من خلال برامجها، إلى تطوير مشاريع من هذا النوع بالتركيز على السائح وتجربته".
وتقوم الشركة المغربية للهندسة السياحية بإنجاز الدراسات المتعلقة بتطبيق إستراتيجية التنمية السياحية الحكومية، وبتصفية الوعاء العقاري للمناطق السياحية، وبإعداد وإنجاز مخططات التهيئة للمناطق السياحية. كما تسعى إلى جلب المستثمرين وتشجيعهم على الاستثمار في مشاريع كبرى.
مهنة تشترط مؤهلات وخبرة عاليتين
تعتمد الهندسة السياحية في تطوير المهن المرتبطة بالقطاع على توفير مؤهلات مهنية وخبرة عاليتين، اعتبارا للأهمية التي تكتسيها في تصميم وتنفيذ المشاريع السياحية، والتي تستدعى إشراك خبراء في الهندسة والتسويق وتسيير المشاريع السياحية، وكذا التدبير المالي. وهي خبرات من الصعب الحصول عليها في سوق الشغل التقليدي دون مشاركة فعالة في التدريب والتأطير من أجل ضمان الاستمرارية وإنجاح المشاريع المبرمجة.
من هنا، يمكن اعتبار الخبرة التي راكمتها الشركة المغربية للهندسة السياحية رافدا أساسيا يجعل منها مؤسسة متخصصة ورائدة في هذا المجال، وذلك لأن الرؤية التي تتبناها المؤسسة تروم تطويرها في كل مجالات تدخلها من خلال الدخول في تعاون وثيق مع شركات مماثلة وتبادل المعارف والخبرات والوقوف على أحدث التجارب في هذا القطاع الحيوي، وكذا المشاركة في المعارض واللقاءات الوطنية والدولية والجهوية والإقليمية.
ويرى المختصون أنه من الضروري جمع كل الخبرات الوطنية والدولية حول موضوع الهندسة السياحية في إطار لقاء دوري سنوي يمكّن من الوقوف على أحسن الممارسات الوطنية والدولية، كما هو الشأن بالنسبة لليوم الوطني للهندسة المعمارية، ويكون الهدف منه مناقشة الآليات التي تمكن من الارتقاء بالمنتوج الوطني إلى ما ينبغي أن يكون عليه في سياق الانفتاح على أسواق جديدة والاستجابة إلى التطورات التي يعرفها السوق العالمي للسياحة.